
أكادير.. تصريحات وردية للمديرة الجهوية في وجه واقع صحي قاتم
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
رغم التصريحات المطمئنة التي أدلت بها المديرة الجهوية للصحة بجهة سوس ماسة بخصوص الوضع الصحي بمستشفى الحسن الثاني بأكادير، والتي حملت وعودًا بإصلاحات مستقبلية ومشاريع مهيكلة، إلا أن الشارع المحلي والمتابعين للشأن الصحي الجهوي استقبلوا هذه التصريحات بكثير من التحفظ والانتقاد، واعتبروها محاولة لامتصاص الغضب الشعبي الذي بلغ ذروته بعد الاحتجاجات التي شهدتها بوابة المستشفى مؤخرًا.
فما بين لغة الأرقام التي تضمنتها مداخلة المسؤولة، وصياغة الخطاب الذي اتسم بالطمأنة والتجميل، تغيب الإشارة الصريحة إلى الأسباب الحقيقية وراء تردي الوضع الصحي بالمستشفى الوحيد الذي يخدم ملايين المواطنين من جهات متعددة، وتُغيّب كذلك المسؤوليات المؤسساتية المباشرة التي فاقمت من معاناة المرضى ومرافقيهم، سواء على مستوى التسيير، أو ضعف البنية، أو الخصاص المزمن في الموارد البشرية والتجهيزات.
– تزيين الواقع بالأرقام لا يكفي
أوردت المديرة الجهوية أرقامًا تفصيلية حول عدد الفحوصات، العمليات الجراحية، والولادات… لكن السؤال الجوهري الذي يطرحه المواطن البسيط هو ما جدوى هذه الأرقام إذا كانت الخدمات الصحية المقدمة لا ترقى إلى الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية؟ وكيف يمكن الحديث عن آلاف الفحوصات والتحاليل، بينما يتحدث المواطنون عن الانتظار لساعات، وأحيانًا لأيام، من أجل موعد أو عملية مستعجلة، وسط اكتظاظ مقلق ونقص حاد في الأطر الطبية؟.
الأرقام لا تنفي الواقع، بل أحيانًا تعكس حجم الكارثة،فاستقبال أكثر من 33 ألف حالة طبية في ظرف ستة أشهر يُظهر أن المستشفى يشتغل فوق طاقته، في غياب مراكز استشفائية قادرة على تقاسم العبء، كما أن الحديث عن 8 وفيات في قسم الولادة خلال نصف سنة، يخضع لتحقيق وزاري، يثير تساؤلات عميقة حول شروط السلامة والتتبع، وليس مجرد “رقم عرضي” في تصريح رسمي.
– من يتحمل المسؤولية؟
في الوقت الذي تُسجل فيه احتجاجات يومية وشكايات متكررة، لم تتضمن تصريحات المديرة الجهوية أي إشارة إلى المحاسبة أو الاعتراف بالتقصير، بل تم التركيز على مشاريع مستقبلية وتغييرات مرتقبة. وهذا يعكس أسلوبًا تقليديًا في الخطاب الإداري، يقوم على تبرير الحاضر بوعد المستقبل، دون تقديم أجوبة حقيقية على مطالب الشارع الذي فقد ثقته في “لغة البلاغات”.
واقع الأمر أن مستشفى الحسن الثاني ليس ضحية “الضغط المتزايد” فقط، بل ضحية سنوات من سوء التسيير، وغياب التخطيط الاستباقي، وتهميش الجهة من المشاريع الصحية الكبرى، رغم كونها من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان.
– لجنة مركزية أم لجنة تبرير؟
إيفاد لجنة مركزية لتدارك الاختلالات يبدو، في الظاهر، إجراءً إيجابيًا، لكن التجارب السابقة أثبتت أن هذه اللجان غالبًا ما تخرج بتوصيات لا تتجاوز رفوف التقارير. والمواطنون يريدون حلولًا ملموسة اليوم، لا دراسات تشخيصية جديدة. كما أن هذه اللجان، في أغلب الأحيان، تُستعمل كأداة لإسكات الغضب الشعبي، أكثر من كونها وسيلة للمحاسبة أو التغيير الجذري.
– المتابعون للشأن الصحي: تصريحات خارج الواقع
عدد من الفاعلين المحليين والحقوقيين والمتابعين للشأن الصحي عبّروا عن استيائهم من “التناقض الصارخ” بين التصريحات الرسمية وما يعايشه المواطن يوميًا داخل أروقة مستشفى الحسن الثاني، هؤلاء يطرحون تساؤلات جوهرية حول نجاعة المشاريع المعلنة، ومدى التزام الوزارة بتعهداتها السابقة، خصوصًا أن مشاريع سابقة كثيرة لم ترَ النور، أو ظلت حبيسة بطء التنفيذ وسوء التتبع.
– هل نحن أمام خطاب تواصلي أم إرادة حقيقية للإصلاح؟
الخطاب الرسمي للمديرة الجهوية بدا أقرب إلى محاولة لامتصاص الغضب، منه إلى اعتراف واقعي بالمشاكل الحقيقية التي يعيشها المستشفى، فبين الحديث عن مستشفى جامعي جديد وتجهيزات حديثة وتوظيفات منتظرة، يغيب الجواب العملي عن سؤال بسيط: ماذا عن مريض اليوم؟ كيف يُمكن أن يُطمئن مواطن ينتظر منذ الصباح على نقالة في الممرات، أو امرأة تضع مولودها وسط ظروف مهينة؟
من خلال هذا الواقع المؤلم، فالمواطن لا يطلب كثيرًا، فقط مستشفى يليق بكرامته، وسرعة في التفاعل مع آلامه، ووضوح في الخطاب الرسمي يعترف بالخلل، بدل تزيينه، أما لغة الأرقام والوعود، فقد أصبحت جزءًا من المشكلة لا من الحل، ما لم تُرفق بإرادة حقيقية، ومحاسبة للمقصرين، وإشراك فعلي للساكنة في مراقبة المشاريع والبرامج الصحية.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X