
التسول الالكتروني.. أعراض تُباع على الملأ مزادًا علنيا
محمد منفلوطي_ هبة بريس
إذا كان ديننا الإسلامي الحنيف يغرس في نفوس العباد كراهة السؤال والقيل والقال، تربيةً لهم وحسن خلق، للحفاظ على علو الهمة وعزة الأنفس والأنفة، والترفع عن الدنيا الفانية بملذاتها وما حازت، وإذا كان التسول بمفهومه العام المتعارف عليه يروم الحصول على لقمة العيش اليومي لصاحبه بشرف وبدون الحاح، كما نصت على ذلك الآيات الكريمة في سورة البقرة، حين قال ربنا عز وجل” وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ، لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” صدق الله العظيم.
وإذا كان الكثير من المفسرين أكدوا ومنهم ابن كثير، على أن المقصود من الآية بعدم سؤالهم الناس بإلحاف هو عدم لحهم في المسألة وتكلفة الناس ما لا يحتاجون إليه، “فإن من سأل وله ما يغنيه عن السؤال فقد ألحف في المسألة”، وأشار ابن كثير إلى حديث البخاري: ” ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، ولا اللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ; اقرؤوا إن شئتم يعني قوله : ( لا يسألون الناس إلحافا )”.
وإذا كان الحصول على لقمة العيش هذه، لا يتطلب الالحاح والالحاف، فماذا نقول عن الذين باتوا يُلحون ويتسولون ويتوسلون اللايكات والجيمات عبر عرض الأجساد وبيع الأنساب والأعراض وأسرار البيوت على مواقع التواصل الاجتماعي، لا للحصول على لقمة فقط تغنيهم عن السؤال، بل بات همهم الظهور بوجه مكشوف وعلى الملأ والمزاد العلني لحصد الثرورة وتكديس الأموال والممتلكات والمجوهرات…لاحول ولا قوة إلا بالله…
لقد تحول التسول الالكتروني عند كثيرين، إلى قضية استطاعت أن تلبس صاحبها ويلبسها هو الآخر، يستجدي من خلالها وعبرها المشاهدات واللايكات والجيمات، عبر تمرير مشاهد مخلة ومقززة وخاذشة، تميل وتستميل المائلين من أصحاب مقولة ” يخ منو وعيني فيه”.
إنه زمان، لربما سينتهي فيه زمن التسول ب”العلالي” بمفهومه التقليدي، إلى زمن التسول الالكتروني الذي لا يكلف صاحبه سوى هاتف ذكي بذاكرة قوية، ولربما يظهر ذلك جليا وبشكل واضح وفعلي مع العولمة والعالم المتحرر والذكاء الاصطناعي، لتجسد بذلك مشاهد مقززة معظمها تتخذ من بيع الأجساد علانية في سوق البشرية دون أدنى احترام للأعراف والأخلاق والقيم الانسانية، وأخرى مشاهد تافهة بلاطعم ولامعنى ولا هدف تربوي، لكن الغريب كل الغريب، هو ارتفاع المشاهدات من قبل عشاق هذا ” العفن”، وهم بدورهم تجدهم في ذات الموقف يوجهون انتقاذات للظاهرة ذاتها…
إن تناولنا لهذا الموضوع، جاء لتسليط الضوء عن ظاهرة خطيرة باتت تأخذ مأخذ ” الورم السرطاني” الذي بدأ يدب رويدا رويدا داخل المجتمعات، ليهدم خلايا الترابط الأسري، ويقضي على ماتبقى منها، بعد أن نالت منه المسلسلات المدبلجة الدخيلة نيلا…
فما أن يتصفح المرء هاتفه النقال غوصا في أغوار الفضاء الأزرق، حتى ينغمس في مشاهد وصور وفيديوهات، تارة تتحدث عن الانتحارات، وأخرى همهما نشر الفجور، وأخرى بطعم الرقص والابتزاز واللائحة طويلة ..يا للأسف… كل ذلك من أجل جني مكاسب مالية بناء على نسبة مشاهدة ” يشحتها” عبر عيون التافهين من متتبعيه ونقراتهم على زر الاعجاب، مقابل تقديم تنازلات ولو على حساب كرامة هؤلاء ” المتسولين والمتسولات”، الذين واللواتي يبدعون ويبدعن في استمالة عشاق هذا ” العفن” من المراهقين والمراهقات، وحتى الرجال منهم والنساء منهن والمحافظات ماعدى ذات الأصل والنسب اللواتي يحفظن أنفسهن وأعراضهن…
مشاهد تضرب في العمق مبادئ حقوق الأطفال والمواثيق الدولية، وللأسف تجد معظم الأباء والأمهات غير مدركين ومدركات وغير آبهين وغير آبهات لما يدور حولهم وحولهن من خطر الانحراف الخلقي..تاركين الهواتف المحمولة في أيادي هؤلاء الأبرياء من الأطفال دون رقابة قبلية ولا اهتمام….متناسين بأن الكل راع، والكل مسؤول عن رعيته…
هو نفاق اجتماعي من وراء حجاب، بلا حشمة وبلا حياء، وبلاكرامة…يقف، أو تقف منتصبة بجسدها الذي تشمئز منه النفوس، لتبث فيديوهات ومقاطع حتى ” الشيطان” نفسه لم يجد لذلك سبيلا، تستجدى، أو يستجدي، مشاهدات ولايكات، تارة يتوسلون حاجة ومصاريف علاج، وتارة يتقمصون فيها دور الفقر والعراء وقلة الحاجة، جوعا وبحثا عن الطعام..
لكن تبقى من حسنات هذه التطبيقات، أنها كشفت واقع اجتماعي مزيف ظل من المسكوت عنه، تماشيا ومقولة ” يخي منو وعيني فيه”، حيث أماطت اللثام عن صورة من صور النفاق الاجتماعي كاشفة عن عورة من “عورات الانحلال الاخلاقي”، ولما لا وهي تطبيقات اقتحمت البيوت ووثقت مشاهد تخدش الحياء على فراش النوم بين الزوجين اللذين يربطهما رابط الزواج والعقد، بمشاهد ايحائية ولباس مثير وحركات ساخرة وساخنة يندى لها الجبين ينغمسون ويبيعون أنفسهم مقابل مال هو في الأصل عبارة عن سراب..
ظاهرة، باتت تتطلب تدخلا عاجلا لتجريمها، وانزال أقسى العقوبات على كل من سولت نفسه استغلال هذه المساحة من الحريات عبر الانترنت ليطلق عنانه لاستغلال الأطفال والمراهقين والنساء عن قصد أو غيره والشروع في تهديد وترويع أمن الآمنين للحصول على مكاسب مادية عن طريق الإكراه، أو التحايل والرغبة في الشهرة والثراء السريع.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X