بعد فضيحة “بيع الشواهد”.. ماهي تحديات مستقبل الجامعة المغربية ؟

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

خلال شهرر ماي الجاري ، انفجرت فضيحة “بيع الشواهد الجامعية” بإحدى كليات جامعة  إبن زهر أكادير، لتكشف ما كان مستتراً داخل جدران التعليم العالي بالمغرب، أزمة ثقة، خلل في الحكامة، وانهيار في منظومة القيم الأكاديمية، وفي ظل هذا السياق المأزوم، تطرح تساؤلات حارقة حول مصير الجامعة العمومية، ومكانتها في مجتمع يسير نحو تحديات تكنولوجية، اقتصادية، وأخلاقية متسارعة.

– الجامعة المغربية…مكامن الأزمة البنيوية

رغم تعدد محاولات الإصلاح، ما تزال الجامعات المغربية تراوح مكانها وسط مشاكل بنيوية صارخة، من بنى تحتية متهالكة رغم تجديد بعضها، إلى اكتظاظ مهول (بعض الجامعات يفوق عدد طلابها 170 ألفاً)، إلى مناهج جامدة لا تواكب سوق العمل أو التطورات الرقمية.

أوضح وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن الجامعات تعاني من ضعف المردودية، الهدر الجامعي، غياب تقييم فعال، وتشتت جغرافي يزيد من ضعف الحكامة، ويضيف أن البنية القانونية والتنظيمية المتجاوزة، وعدم ملاءمة نماذج التكوين مع متطلبات العصر، تزيد من هشاشة المؤسسة الجامعية العمومية.

– القيم الأكاديمية في مهب الريح..تداعيات “بيع الشواهد”

جاءت فضيحة “بيع الشواهد” كقشة قصمت ظهر الثقة، بل شكلت صدمة مجتمعية ألقت بظلالها على قيمة الشهادة الجامعية، وعلى صورة المؤسسة الجامعية العمومية التي من المفترض أن تكون مشتلاً للعلم لا “سوقاً سوداء” للكفاءات الورقية.

دعت رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى تحصين الجامعة المغربية بأخلاقيات صارمة، ومساءلة كل الفاعلين في المنظومة، وشددت على أن هذه الممارسات تهدد ليس فقط مصداقية المؤسسات، بل أيضاً استحقاق الطلبة الذين بذلوا مجهوداً حقيقياً.

– فشل إصلاح الإصلاح…هل نعيد إستبدال العجلة؟

تاريخ التعليم العالي في المغرب يشهد على كثرة البرامج الإصلاحية المتعاقبة، لكن الأرقام تارة تتحدث عن نفسها ، فأكثر من 32 وزيراً تعاقبوا على القطاع خلال 60 سنة، و14 محاولة إصلاح رئيسية، كلها أخفقت في تحقيق الأهداف المرجوة، والنتيجة هي مؤسسات مترهلة، تعليم لا يخلق كفاءات، وبحث علمي محدود الأثر والتمويل.

تحدثت تقارير عديدة عن تهميش للعلوم الإنسانية، غياب رؤية موحدة، و”أدلجة” الإصلاحات، بالإضافة إلى غياب الشفافية، التنسيق، والتخطيط طويل المدى.

– الطلبة والأساتذة هل هم الحلقة الأضعف أم نقطة التحول؟

المنظومة التعليمية لا يمكن أن تنجح دون محورين أساسيين، أولهما الطالب والأستاذ، ومع ذلك، يشتكي الأساتذة من ضعف التكوين المستمر، وانعدام التحفيز، والبيروقراطية المفرطة، أما الطلبة، فغالبيتهم يدخلون الجامعة بتوجيه اعتباطي، دون رؤية واضحة، أو مهارات لغوية أساسية. فضعف اللغات، ونقص المهارات العرضانية، وغياب التأطير، تجعل من الخريج رقماً إضافياً في طابور البطالة أو الهجرة.

– هل من أمل ..نقاط القوة الممكنة

رغم كل هذه المعضلات، يرى بعض الفاعلين وجود نقاط ضوء، فالطلبة المغاربة يحظون بسمعة طيبة دولياً، والشهادات الجامعية المغربية ما تزال معترفاً بها في أوروبا وأمريكا الشمالية.

هناك أيضاً اهتمام حكومي بتطوير الشراكات مع القطاع الخاص، واستثمارات في الذكاء الاصطناعي والبيداغوجيا الرقمية، ما قد يشكل فرصة لإعادة هيكلة المنظومة.

لكن هل يكفي ذلك؟ الإصلاح الهيكلي الحقيقي يتطلب شجاعة سياسية، وشفافية، ومساءلة واضحة، وقطعاً مع منطق الترقيع وإصلاح “الإصلاح السابق”.

– ماذا بعد الفضيحة؟

قضية “بيع الشواهد” ليست مجرد حادثة معزولة، بل مؤشر خطير على اهتراء منظومة القيم داخل الجامعات العمومية ، وإذا لم يُتخذ هذا الحدث كنقطة تحول حقيقية نحو مراجعة شاملة، فإن الجامعة المغربية مهددة بفقدان دورها التاريخي كمصعد اجتماعي ومؤسسة لإنتاج النخبة.

الجامعة المغربية اليوم تقف أمام مفترق طرق، إما الانهيار الكامل، أو إعادة التأسيس، بأفق جديد، ورؤية واضحة، ونفس إصلاحي صادق.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى