
حزب الاستقلال.. تاريخ التخلص من رجاله المزعجين
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
يُعتبر حزب الاستقلال من أعرق الأحزاب السياسية في المغرب، إذ يعود تأسيسه الرسمي إلى 11 يناير 1944، حين تم تقديم “وثيقة المطالبة بالاستقلال” التي شكلت منعطفاً تاريخياً في مسار التحرر الوطني، إلا أن هذا المجد التاريخي، لا يخفي واقعاً مغايراً، يتمثل في صراعات داخلية حادة، وأسلوب ممنهج في إقصاء أو تهميش كل من يعبر عن وجهة نظر مخالفة لقيادة الحزب أو خطه السياسي العام، من خلال هذا التحقيق، نرصد كرونولوجيا التخلص من قيادات بارزة داخل الحزب، كانت لها مواقف مخالفة أو مستقلة، فدُفعت نحو الهامش أو أُخرجت من الباب الخلفي.
– البداية….من الكتلة إلى الحزب… زمن الزعامة الموحدة
تعود الجذور الأولى لحزب الاستقلال إلى “كتلة العمل الوطني” سنة 1937، بزعامة علال الفاسي. ورغم أن الحقبة الأولى اتسمت بتماسك داخلي، فإنها وضعت اللبنات الأولى لزعامة الفرد الواحد، التي سرعان ما تحوّلت إلى قاعدة ثابتة في تدبير الخلافات، حيث يتمركز القرار في يد القائد، ويُهمل الرأي المخالف، ولو داخل الإطار التنظيمي.
– مرحلة ما بعد الاستقلال…التوتر الصامت والقرارات الموجهة
لم يكن الخلاف داخل الحزب ظاهرياً في العقود الأولى بعد الاستقلال، لكن العديد من القيادات التي عارضت خط الحزب أو طالبت بإصلاحات تنظيمية، تم تهميشها أو دفعت نحو الاستقالة. وغالباً ما كانت هذه الإقالات مبررة بـ”ضرورات المرحلة”، دون الإفصاح عن الخلفيات الحقيقية المرتبطة بالصراع حول السلطة والنفوذ داخل الحزب.
– حميد شباط…الزعيم المثير للجدل الذي جرى “تنظيفه”
شكل وصول حميد شباط إلى الأمانة العامة في 2012 حدثاً زلزالياً داخل حزب الاستقلال، وبالرغم من أن انتخابه جاء ديمقراطياً، إلا أن أسلوبه الصدامي وخروجه المتكرر عن الخط السياسي التقليدي للحزب جعله عرضة لهجمات داخلية شرسة.
أبرز معاركه بدأت حين قرر الحزب الانسحاب من حكومة بنكيران سنة 2013، ما فجر صراعات مع قيادات بارزة، خاصة بعد تصريحاته التي اعتُبرت مسيئة للدولة الموريتانية، وطرحه فرضيات مثيرة حول وفاة بعض السياسيين، ولم تمر سوى أشهر حتى انقلبت عليه النخبة التقليدية داخل الحزب، مدعومة بقوى سياسية خارجية، ليُزاح في المؤتمر التالي ويُعوّض بنزار بركة، حفيد علال الفاسي.
– نزار بركة وحمدي ولد الرشيد: تحالف ميداني لإعادة “ضبط” البيت
كان صعود نزار بركة إلى الأمانة العامة سنة 2017 إيذاناً بعودة النفوذ الفاسي التقليدي. غير أن الحضور المكثف لحمدي ولد الرشيد، الزعيم الصحراوي القوي، غيّر المعادلة، إذ بات يُنظر إليه كـ”مهندس الأمناء العامين”، بدءاً من شباط إلى بركة. ظهر جلياً أن التوازن داخل الحزب لم يعد مركزياً في الرباط، بل أصبح جنوبياً، تُصاغ قراراته في العيون.
نور الدين مضيان: الإزاحة الناعمة تحت غطاء قضائي
شهدت سنة 2024 تطوراً جديداً، تمثل في إبعاد نور الدين مضيان من رئاسة الفريق النيابي، بعد صراع قضائي مع البرلمانية رفيعة المنصوري. ورغم أن مضيان برر انسحابه بـ”التفرغ”، فإن المعطيات تؤكد أن القرار جاء في إطار تصفية داخلية لقيادي كان يمثل تياراً مستقلاً داخل البرلمان.
وقد سارع الحزب إلى تبني صيغة “التحييد المؤقت” كحل وسط، إلا أن المراقبين رأوا في ذلك امتداداً لنهج التخلص من الأصوات غير المنضبطة، ولو تحت ستار “التهدئة التنظيمية”.
عبد القادر الكيحل: صوت الشبيبة الذي أراد العودة من النافذة
في محاولة للعودة إلى الساحة، حاول عبد القادر الكيحل، القيادي السابق بالشبيبة الاستقلالية، خلق تحركات ميدانية داخلها، مدعوماً بأسماء شابة. غير أن تحركاته وُوجهت باتهامات بـ”التحريض على الفوضى” و”محاولة إفشال مؤتمر الشبيبة”، وهي إشارات على أن أي تحرك لا يحظى بمباركة مركزية يُعتبر تهديداً يجب تطويقه، ولو بوسائل غير سياسية.
خاتمة: الحزب العريق في زمن الانضباط الحديدي
رغم تاريخه الوطني المشرف، يتبين أن حزب الاستقلال تطور ليُعيد إنتاج بنيات تقليدية مغلقة، حيث يتم التحكم في القرار السياسي من طرف قوى غير مرئية لكنها نافذة. ومن خلال استعراض نماذج الإقصاء أو الإبعاد “الناعم” أو “القسري”، يبدو أن الحزب يعيد باستمرار ترتيب صفوفه على حساب التعدد والاختلاف، في مشهد يعكس أزمة العمق الديمقراطي داخل أحزاب كانت، في الأصل، صوتاً للاستقلال والحرية
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X