ذكرى استرجاع سيدي إفني… ملحمة الحرية ووحدة الوطن

هبة بريس – عيد اللطيف بركة

في مثل هذا اليوم 30 يونيو من كل عام، يحيي الشعب المغربي، بكل فخر واعتزاز، الذكرى السنوية لاسترجاع مدينة سيدي إفني، تلك اللحظة التاريخية التي تشكل جزءًا أساسيًا من ملحمة الوطن في سعيه الطويل نحو الحرية والاستقلال.

إنها ذكرى مليئة بالبطولات التي سطرتها يد المقاومين، وأسطورة النضال التي صنعتها أرواح المجاهدين الذين حملوا على عاتقهم لواء الدفاع عن حرية الوطن ووحدته الترابية.

في مثل هذا اليوم، نستحضر الأحداث التي جرت في 30 يونيو 1969، حينما تم إجلاء آخر جندي من القوات الاستعمارية الإسبانية عن سيدي إفني، لتفتح أبواب المدينة الهادئة على مشهد جديد من التحرر والسيادة، كان ذلك يومًا مفصليًا في تاريخ المملكة، إذ تم استكمال استرجاع الأراضي المغربية التي كانت قد اغتصبها الاستعمار، معلنًا نهاية مرحلة مظلمة وبداية عهد جديد من الاستقلال الكامل.

إن استرجاع سيدي إفني لم يكن مجرد معركة عسكرية، بل كان تجسيدًا لروح المقاومة التي توحدت فيها قلوب المغاربة، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. ففي سيدي إفني، كما في سائر ربوع المغرب، قدَّمت قبائل آيت باعمران نموذجًا مشرفًا في العزيمة والصمود، حيث واجهت الاحتلال الإسباني بكل ما تملك من قوة، وتحملت أعباء معارك مستمرة دافعًا عن الأرض والعرض. لم تكن تلك المعارك سوى حلقات في سلسلة نضال طويل بدأ منذ فرض الحماية على المغرب في 1912، وامتد عبر الزمن ليصل إلى النصر الذي تحقق في منتصف القرن العشرين.

وتظل مدينة سيدي إفني، بأزقتها وشواطئها، شاهدة على أبطال شرفاء رفضوا الانصياع للغزاة، وسطروا أسماءهم في سجل التاريخ بأحرف من ذهب. كان المجاهدون في هذه المدينة، التي أصبحت معقلًا للمقاومة، بمثابة أسود لا تهاب الموت، نذروا أنفسهم فداءً للوطن. وقد لعبت هذه المدينة دورًا محوريًا في دعم المنظمات الفدائية، وتزويد المجاهدين في الشمال بالأسلحة والذخيرة، مما جعلها نقطة انطلاق لثورات التحرير.

في ذكرى هذا اليوم، نسترجع أيضًا معركة “المسيرة الخضراء” في 1975، حيث امتدت يد المغرب على صحرائه الجنوبية لتلتحم الأرض بالإنسان في حدث لا يقل عظمة عن استرجاع سيدي إفني. كانت المسيرة، التي رعتها حكمة المغفور له الملك الحسن الثاني، مثالًا على التكامل بين النضال الشعبي والتكتيك الدبلوماسي الحكيم. لقد شكلت تلك اللحظة العظيمة خاتمة للاحتلال الإسباني، وفتحًا جديدًا لمسار سياسي وميداني سعى لاستعادة السيادة على كامل التراب الوطني.

ومنذ ذلك الحين، لا تزال الأقاليم الجنوبية للمملكة تشهد زخماً تنمويًا متواصلاً، حيث باتت محورًا لاستراتيجية وطنية تسعى إلى جعل هذه المناطق أقطابًا اقتصادية جديدة، وقد تجسدت هذه الرؤية في مشاريع الجهوية المتقدمة، التي يسعى جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، من خلالها إلى تعزيز قدرات الأقاليم الصحراوية في شتى المجالات، وجعلها نموذجًا في الإدارة المحلية والتنمية المستدامة.

وفي هذا السياق، تشارك أسرة المقاومة وجيش التحرير في إحياء الذكرى 56 لاسترجاع سيدي إفني، وهي تجدد العهد على مواصلة الدفاع عن الوحدة الترابية، والسعي نحو تحقيق التنمية الشاملة التي تكرس مصلحة جميع المغاربة. اليوم، يقف الشعب المغربي في صف واحد، من طنجة إلى الكويرة، منسجمًا في أهدافه، رافضًا كل محاولات التشويش على وحدته.

إن هذه الذكرى لا تقتصر على استحضار الماضي، بل هي دعوة للمضي قدمًا، مستلهمين من تضحيات الأبطال دروسًا في الصمود والإصرار. إنها مناسبة لتجديد العهد بالقيم الوطنية العميقة التي صنعها رجال ونساء المغرب، الذين قدموا أرواحهم على مذبح الحرية.

إن سيدي إفني، اليوم، هي أكثر من مجرد مدينة، هي رمزٌ خالد لكل من آمن بالوحدة، وفَداءَ الوطن، وسعى إلى استكمال السيادة على كل شبر من تراب المملكة المغربية.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى