ظاهرة “الهجرة بدون هدف”.. بين الحلم الأوروبي والواقع القاسي

عمر الرزيني-مكتب برشلونة

في السنوات الأخيرة، شهدت إسبانيا موجة جديدة من المهاجرين، خاصة من دول شمال إفريقيا، قادمين بدافع تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. غير أن جزءًا من هذه الفئة لا يبدو أنه يحمل مشروعًا واضحًا أو خطة لبناء مستقبل جديد، مما يطرح أسئلة ملحة: هل جاءوا فعلًا للبحث عن فرصة؟ أم فقط للهروب من الواقع دون استعداد لتحمل مسؤولية التغيير؟

المؤسف أن كثيرًا من هؤلاء الشباب يرفضون العمل المتاح في قطاعات مثل الفلاحة، البناء أو النظافة، بدعوى أن “الخدمة ماشي ديالو”، رغم أنه لا يملك لا أوراق إقامة، لا شهادة مهنية، ولا حتى إلمامًا باللغة الإسبانية. والغريب أن الطموح غالبًا ما يكون نحو العمل في مجالات راقية كالبنوك أو الإدارات، وهو طموح في غير محله حين لا يكون مسنودًا بأي جهد أو كفاءة.

هذا النوع من العقليات لا يختلف كثيرًا عن من يرفض أن يبدأ من الصفر، معتقدًا أن الهجرة وحدها كفيلة بتغيير مصيره، دون أن يدرك أن العمل الشاق والتدرّج في الحياة هو السبيل الوحيد لتحقيق النجاح، سواء في إسبانيا أو في بلده الأصلي.

بدلًا من البحث الجاد عن عمل أو تعلم اللغة أو تطوير مهارات، يُفضل البعض قضاء أيامهم أمام الحانات والمقاهي، يتسكعون، ويتحدثون عن “الحكرة”. لكن الحقيقة المرة هي أن الظلم الحقيقي ليس من الدولة، بل من داخل هؤلاء أنفسهم: ظلم الذات، عندما يرفض الإنسان أن يبذل مجهودًا أو أن يواجه واقعه.

في إسبانيا، كما في أي مكان في العالم، الفرص تُمنح لمن يستحقها، لا لمن يطالب بها وهو جالس في المقاهي يشكو الظروف. المجتمع الإسباني لا يُعادي الأجنبي العامل والمندمج، بل يحترمه، أما المتطفل والاتكالي، فيُنظر إليه بتحفظ وربما رفض.

الهجرة قرار مصيري، ويجب أن تُبنى على وعي، تخطيط، واستعداد للعمل الجاد. من يظن أن أوروبا تعني “كلشي واجد” فهو واهم. أوروبا لا تعطي بدون مقابل، بل تطلب منك أن تُظهر أنك تستحق أن تكون جزءًا من منظومتها. ومن لا يريد العمل، ولا يطوّر نفسه، فبقاؤه هنا لا فائدة منه، بل يكون عبئًا على المجتمع، ويشوه صورة المهاجرين الجادين الذين يتعبون ليبنوا مستقبلًا أفضل.

ليس العيب في البلد، بل في العقلية. “الحكرة” الحقيقية هي أن تحرم نفسك من الفرص الموجودة لأنك ترفض أن تبدأ من الصفر و الهجرة الحقيقية تبدأ من تغيير العقلية، قبل تغيير البلد



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى