هل يفلح الخطاب الملكي في رَأب الصدع بين المغرب والجزائر؟

يشهد المشهد المغاربي منذ سنوات توترًا حادًا بين المغرب والجزائر، وصل إلى حد القطيعة الدبلوماسية وإغلاق الحدود بشكل كامل. وفي ظل هذا الواقع المعقد، يبرز كل خطاب ملكي في المغرب كمؤشر مهم على نوايا الرباط تجاه الجارة الشرقية، وفرصة لإرسال رسائل مباشرة أو ضمنية للتهدئة وإعادة بناء الجسور.

أبعاد الخطاب الملكي:

الخطاب الملكي للمغرب يتميز تاريخيًا بلغة متزنة تجمع بين الثوابت الوطنية والدعوة إلى الحوار، وغالبًا ما يحمل إشارات واضحة للرغبة في تطبيع العلاقات مع الجزائر، خصوصًا في المناسبات الوطنية الكبرى مثل ذكرى “ثورة الملك والشعب” أو عيد العرش.
وغالبًا ما تتكرر في هذه الخطابات عبارات تؤكد:

1. حسن الجوار ورفض التصعيد

2. الدعوة إلى فتح الحدود المغلقة منذ 1994

3. التأكيد على أن الخلافات السياسية لا ينبغي أن تحجب الروابط التاريخية والشعبية بين الشعبين

هذه الرسائل تعكس مقاربة دبلوماسية ناعمة، تراهن على الوقت وتهدئة النفوس بدل المواجهة العلنية.

الواقع السياسي في الجزائر

رغم الرسائل الإيجابية من الرباط، تواجه هذه الدعوات تحديات كبيرة على الجانب الجزائري. فالقرار السياسي في الجزائر ظل مرتبطًا منذ عقود بملف الصحراء المغربية، إذ تنظر الجزائر إلى أي تقارب محتمل باعتباره تهديدًا لموقفها التقليدي الداعم لجبهة البوليساريو.
كما أن الظرف الداخلي الجزائري، المطبوع بحساسية تجاه أي تنازل سياسي أمام المغرب، يجعل من الاستجابة الفورية لخطابات الملك أمرًا مستبعدًا.

هل يمكن للخطاب الملكي أن ينجح؟

نجاح أي خطاب ملكي في رأب الصدع يظل رهينًا بعوامل متداخلة:

1. إرادة سياسية متبادلة: لا يمكن لخطاب واحد، مهما كان قوياً، أن يحقق انفراجًا إذا لم تكن الجزائر مستعدة لتغيير مقاربتها.

2. تخفيف حدة الخطاب الإعلامي: الإعلام يلعب دورًا في توجيه الرأي العام، والخطاب المتشنج يعقد أي جهود للمصالحة.

3. استثمار المصالح المشتركة: مثل مشاريع الطاقة والربط الطرقي والتحديات الأمنية المشتركة في الساحل.

إن الخطاب الملكي المغربي يمثل خطوة إيجابية في اتجاه تهدئة التوتر، ورسالة سياسية قوية إلى المجتمع الدولي بأن الرباط تبقى طرفًا منفتحًا على الحوار. غير أن نجاحه في رأب الصدع مع الجزائر يبقى مشروطًا بإرادة مقابلة من صانع القرار الجزائري، واستعداد حقيقي للانتقال من مرحلة القطيعة إلى مرحلة الثقة المتبادلة.
وفي ظل المعطيات الحالية، يبدو أن الخطاب الملكي قد ينجح في كسب التعاطف الدولي وإبراز نية المغرب السلمية، لكنه لن يكون كافيًا وحده لإذابة الجليد ما لم تتغير معادلات السياسة الجزائرية.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى