أين اختفى المحللون المغاربة بالقنوات التلفزية في زمن الأزمات؟؟

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في خضم التغطية المكثفة للحرب الجارية بين إسرائيل وإيران، والتي أصبحت محورًا إخباريًا رئيسيًا في وسائل الإعلام الدولية، يلاحظ المتابع العربي غيابًا لافتًا للأصوات المغربية ضمن طيف المحللين والخبراء الذين يُستضافون لتفكيك تعقيدات هذا النزاع، فرغم اتساع خارطة القنوات والمنصات التي تسعى إلى استضافة آراء من مختلف الخلفيات والتخصصات، يبقى الحضور المغربي باهتًا إن لم يكن معدومًا.

لا يتعلق الأمر فقط بندرة ظهور محللين مغاربة، بل يتجاوز ذلك إلى عمق المشكلة وهو غياب بنية أكاديمية وطنية قادرة على إنتاج نخب بحثية متخصصة في القضايا الجيوسياسية والاستراتيجية المعقدة، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، فمن النادر أن نجد مراكز بحث مغربية تتمتع بالمصداقية الأكاديمية أو الاستقلالية البحثية، وتشتغل وفق منهج علمي صارم، يواكب المعايير المعتمدة دوليًا في هذا المجال.

رغم توفر المغرب على جامعات تضم أقسامًا للعلاقات الدولية والعلوم السياسية، إلا أن هذه الأخيرة لم تنجح بعد في تكوين باحثين ذوي كفاءة عالية، يجمعون بين التكوين النظري المتين والخبرة العملية، ويشتغلون ضمن شبكات بحث عابرة للتخصصات والحدود. إن معظم الأساتذة والباحثين في هذا المجال، ورغم اجتهاداتهم الفردية، يعانون من محدودية في التكوين اللغوي، وافتقاد للانفتاح على المدارس الفكرية المختلفة.

من المفارقات اللافتة، أن من يحملون أحيانًا ألقابًا رنانة مثل “مدير مركز الدراسات والبحوث الجيو/استراتيجية” أو “رئيس المركز الدولي لتحليل الأزمات”، لا يقدمون قيمة تحليلية مضافة حين يُستضافون في بعض القنوات المغربية. فبدل أن يسهموا في تعميق النقاش ورفع منسوب الوعي العام، ينزلق الخطاب أحيانًا نحو التبسيط، أو حتى التهييج، خصوصًا حين يتعلق الأمر بقضايا إقليمية حساسة كالعلاقة مع الجزائر، حيث يصبح “تحليل الأزمات” في بعض الأحيان أقرب إلى خطاب العداء منه إلى محاولة الفهم الموضوعي.

هذا الواقع يطرح تساؤلات جوهرية حول دور الجامعات المغربية ومراكز البحث في تأهيل نخب فكرية تكون قادرة على فهم ديناميات النظام الدولي والمساهمة في النقاشات الكبرى التي تتجاوز حدود الجغرافيا الوطنية. كما يفتح النقاش حول الحاجة إلى إصلاح أكاديمي عميق، يعيد الاعتبار للبحث العلمي الجاد، ويخلق بيئة حقيقية للتميز والابتكار في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

إن حضور المغرب في المحافل الدولية لا يمكن أن يظل مقتصرًا على الدبلوماسية الرسمية أو التمثيل السياسي. فصورة أي دولة في العالم المعاصر ترتبط أيضًا بقدرتها على إنتاج المعرفة وتحليل الأحداث وتقديم رؤية خاصة بها. ولعل من أوائل الخطوات المطلوبة في هذا الاتجاه، خلق مراكز بحثية مستقلة، متعددة التخصصات، ومتصلة بالشبكات الأكاديمية العالمية، مع تشجيع التكوين المتواصل والانفتاح على اللغات والثقافات.

حتى ذلك الحين، سيظل المشاهد المغربي، المهتم بالشأن الدولي، مضطرًا للإنصات إلى خبراء أجانب لفهم ما يجري في عالمه، بينما يغيب الصوت الوطني في أهم القضايا التي ترسم ملامح المستقبل.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى