ملاعب القرب بجرسيف.. بين تداخل الاختصاصات وغياب نموذج موحد للتسيير

هبة بريس-محمد بودهان

شهد إقليم جرسيف، خلال السنوات الأخيرة، دينامية ملحوظة في تشييد ملاعب القرب بمناطق متفرقة وأحياء سكنية، بتمويل من المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أو في إطار شراكات مع الجماعات الترابية ، هذه المشاريع جاءت في سياق وطني يهدف إلى تعزيز ممارسة الرياضة كحق دستوري، وتقريب البنيات التحتية الرياضية من الساكنة، خاصة فئة الاطفال و الشباب.

غير أن واقع تدبير هذه الملاعب محليًا كشف عن عدة إشكالات بنيوية، أبرزها تداخل الاختصاصات بين مختلف المتدخلين وغياب رؤية موحدة للتسيير ، هذا الوضع أفرز اختلالات في الاستغلال والصيانة، وأدى في بعض الحالات إلى إقصاء الجمعيات الرياضية النشيطة من حقها في التدبير، أو فرض رسوم تقصي الفئات الهشة من الاستفادة.

يخضع تدبير ملاعب القرب بجرسيف لمجموعة من الأطراف، في مقدمتها المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، التي تشرف على إنجاز هذه المشاريع وتسليمها للجماعات الترابية في إطار اتفاقيات شراكة ، غير أن غياب آليات إلزامية بعد مرحلة التسليم يفتح الباب أمام الجماعات الترابية للتدخل، حيث تلجأ بعض المجالس المحلية إلى التسيير المباشر أو تفويض التدبير لأطراف أخرى، أحيانًا دون إشراك الجمعيات المعنية.

وتسعى الجمعيات الرياضية، من جهتها، إلى ضمان فتح هذه الفضاءات أمام الشباب وتنظيم أنشطة تكوينية وتنشيطية، غير أنها تواجه صعوبات في الحصول على حق التسيير، ما يؤدي إلى تعطيل دورها كفاعل أساسي في تأطير الحركة الرياضية بالإقليم ، وفي حالات أخرى، يتم تدبير الملاعب بعقلية ربحية ، مما يفرغ المشروع من أهدافه الاجتماعية ويحول هذه المنشآت إلى مشاريع تجارية صرفة.

غياب نموذج موحد للتسيير انعكس بشكل مباشر على واقع الملاعب، حيث يشتكي العديد من الشباب من ضعف الصيانة وغياب برامج منتظمة ، كما أن فرض رسوم للاستفادة من هذه الفضاءات جعل شريحة واسعة، خاصة بعض الفئات من الأحياء الهشة، محرومة من حقها في ممارسة الرياضة ، ويؤكد متتبعون أن هذا الوضع يخلق تفاوتات مجالية ويضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص الذي قامت عليه فكرة ملاعب القرب.

لتجاوز هذه الإشكالات، يبرز مقترح تأسيس جمعية إقليمية لملاعب القرب كحل عملي يهدف إلى توحيد التدبير وضمان استدامة هذه المرافق ، يتكون مكتب الجمعية من ممثلي الجمعيات الرياضية النشيطة بالإقليم، وتُفوّض لها مهمة تدبير الملاعب وصيانتها وتنظيم الأنشطة بها، بتنسيق مباشر مع السلطة الإقليمية والمديرية الوصية على القطاع و الجماعات الترابية.

هذا النموذج سيمكن من وضع رؤية موحدة وشفافة لتسيير هذه الفضاءات، وضمان توجيه المداخيل نحو الصيانة وتحسين الخدمات، مع الحفاظ على مجانية أو رمزية الاستغلال لضمان ولوج جميع الفئات، وتكريس دور الجمعيات كفاعل أساسي في التنمية الرياضية.

إن ملاعب القرب بجرسيف تمثل استثمارًا اجتماعيًا مهمًا في الشباب والتنمية البشرية، لكن استمرار تداخل الاختصاصات وتعدد الرؤى يهدد بفقدان هذه المكتسبات ، لذلك، يبقى تأسيس جمعية إقليمية للتدبير خطوة أساسية لتوحيد الجهود وتحقيق الحكامة المطلوبة، حتى تبقى هذه الملاعب في خدمة الساكنة وتؤدي دورها كفضاءات للرياضة والتكوين ومحاربة الانحراف.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى