الفيضانات بالمغرب .. أي سياسة مستقبلية للتحكم في دمارها ؟؟

ع اللطيف بركة : هبة بريس 

 

ضربت أمطار غزيرة وغير مسبوقة الجبال والصحاري القاحلة خلال العقدين الأخيرين المغرب ،ما أسفر عن مقتل العشرات من الضحايا ودمار واسع في المنازل والبنية التحتية.

أمطار فيضانية تضرب المناطق التي نادراً ما تشهد مثل هذه الكميات من الهطول المطري… الصحاري التي لا تتلقى سوى أقل من ميليمترات من الأمطار سنوياً، شهدت بدورها فيضانات جارفة.

التغيرات المناخية الحادة مستمرة في رسم سيناريوهات غير متوقعة، مياه البحر الأبيض المتوسط تشهد احتراراً غير مسبوق، تقابله اندفاعات قطبية مبكرة من شمال غرب أوروبا، في إشارة إلى تشكل عواصف مطيرة قوية، قد تمتد جنوباً لتطال دول شمال أفريقيا .

الخرائط الجوية تتنبأ بمزيد من الأمطار الغزيرة في الأسابيع القادمة او في السنوات القادمة ، مع تركيز خاص على شمال وشرق المملكة قد تتسبب في فيضانات جديدة أكثر شدة.

فهل هذه هي البداية فقط لما هو قادم؟ مع استمرار احترار البحار والاضطرابات الجوية، يبدو أن التحديات المناخية لمناطقنا ستكون أصعب مما نتخيل مما يسير بنا من جانب آخر حول الاستراتيجية او السياسة التدبيرية لهذه الكوارث وهل سيتعامل السياسي بشكل جدي مع الظاهرة من اجل ابداع حلول استباقية للتقليل من خسائر الفيضانات بالخصوص.

-تاريخ الفيضانات بالمغرب

من خلال الرجوع إلى كرنولوجية اهم وأكبر الفيضانات التي شهدها المغرب خلال القرون الماضية، نستكشف ان أكبرها ما عرفه واد سبو سنة ” 1302 ” .
ومن بين السنوات الخطيرة من حيث الفيضان خارج مدينة فاس؛ هو ما وقع سنة 1303 م” حيت أتى سيل بوادي مدينة فاس، اما ثالث فيضان فوقع سنتي ” 1600 – 1601 م” بعدما وقع سيل عظيم بفاس مرتين، ورابعها وقع سنة ” 1607 م” حيت حدثت فيضانات كارثية مرتين؛ وخامسها تساقطت الأمطار بشكل كبير سنة ” 1934 م” تسببت في فيضانات جارفة ، لتليها ثلاث فيضانات اخرى مدمرة خلال العقد الماضي وبداية العشرية الجديدة بدورها خلفت خسائر بشرية ومادية فادحة .

– توقعات خبراء المناخ

اعتبر محمد بنعبو، الخبير في المناخ والبيئة، أن “المغرب يعتبر من بين أكثر البلدان تعرضا للمخاطر المرتبطة بالظواهر الجيولوجية والمناخية والكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل والجفاف على مستوى دول شمال إفريقيا”.

وأبرز بنعبو في تصريح سابق لوسائل الإعلام ، أن “المغرب تكبد خسائر تتجاوز 575 مليار سنويا، في مقدمتها فيضانات منطقة الغرب عامي 2009 و2010 وفيضانات كلميم وتارودانت. بينما خيم الجفاف على المغرب منذ 2015 وأصبح أكثر حضورا منذ ست سنوات”.

وتابع رئيس جمعية “مغرب أصدقاء البيئة” قائلا: “ومن المنتظر أن تتفاقم وضعية الجفاف بسبب تقلبات أحوال الطقس الناجمة عن العمران المتسارع والتغيرات المناخية، لكن تبقى أهم الكوارث الطبيعية التي عاشها المغرب ولازال يعيش على إيقاعها هي الحرائق، والتي على سبيل المثال، فقد تسببت في مقتل أربعة أشخاص، والتهمت هذه الحرائق التي ترافقت مع موجات حرّ شديد، نحو 22 ألف هكتار من مساحات الغابات”.

ولمواجهة هذه الظواهر المناخية، قال بنعبو إن “المغرب يطمح إلى تحقيق الإدارة المتكاملة لمخاطر الكوارث ومواجهتها في وجه الكوارث والتغيرات المناخية، عبر التنزيل الحقيقي للاستراتيجية الوطنية لإدارة المخاطر التي تتيح تدابيرا أفضل لمواجهة الآفات الطبيعية الموسمية وغير الموسمية في مقدمتها الفيضانات التي يقوم برصدها المركز الوطني عبر اتخاذ تدابير وقائية في حالات الطوارئ”.

ولفت الكاتب العام لوزارة الداخلية، محمد فوزي، خلال افتتاح أشغال الاجتماع الخامس لآلية التنسيق العربية للحد من مخاطر الكوارث الذي عقد خلال الأشهر الماضية من السنة الجارية إلى أن الحكومة المغربية ، وتنزيلاً للتوجيهات الملكية، قامت بوضع سياسة مؤسساتية في مجال تدبير مخاطر الكوارث، لا سيما من خلال تعزيز الموارد البشرية والمادية لبعض المؤسسات الوطنية، وإحداث مركز لليقظة والتنسيق، يعمل على تنسيق تدبير الأزمات من أجل ضمان تدخل ميداني محكم ومنظم، وإحداث صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية، مضيفاً أنه تم ابتداء من سنة 2016 اعتماد برنامج التدبير المندمج لمخاطر الكوارث الطبيعية والقدرة على مجابهتها، وتمويل 277 مشروعاً وقائياً منذ سنة 2015 إلى حدود الآن، ساهم فيها الصندوق بنسبة الثلث.

– ماذا يقول واقع الحال

من خلال ما خلفته الفيضانات الأخيرة من قتلى وخسائر في الأرواح ، يكشف واقع الحال ان السياسات والبرامج التي اتخدت غير كافية وتحتاج التتبع والتنسيق بين جل المتدخلين، من اجل تفعيل البرامج وإصلاح الهفوات بها، مع تطوير آليات المراقبة القبلية للتحولات المناخية وتعزيز ودعم البحث العلمي في مجال الكوارث الطبيعية .

– صفارات الإنذار .. هبة اليابان نموذج لإنقاذ الأرواح

بعد الكارثة الطبيعية ” الفيضان” الذي ضرب منطقة أوريكا بجهة مراكش اسفي، والتي خلفت دمار شامل وخسائر في الأرواح ، الكارثة التي تتبعها المغاربة وتناولتها مختلف وسائل الإعلام الدولية ، كما أنها ساهمت في دعم قدمته بعض الدول الصديقة مثل اليابان التي سلمت المغرب آليات متطورة لمراقبة الفيضانات والحد من خطرها على البشر ،من أهمها ” صفارات الإنذار المبكر” للفيضان التي وضعت على منبع وادي أوريكا وسط الجبال ، لازالت هذه الالة تنقذ الأرواح بعد ان ألف السكان دويها وهي تخبرهم بالخطر القادم ، مما جعل هذه المنطقة يسلم أهاليها ومعهم الماشية من خطر السيول عبر كل العواصف الرعدية التي شهدتها المنطقة .

– تتبع نشرات احوال الطقس بدوره مساهم

بعد العواصف التي شهدتها المملكة خلال السنوات الأخيرة، أصبحت نشرات الأخبار المتعلقة بحالة الطقس، من اكثر الفقرات في القنوات المغربية ومعها الإعلام الإلكتروني، الأكثر مشاهدة وتتبع، مما يكشف ان المشاهد المغربي اصبح اكثر اهتماما بمناخه اليومي، وهو ما ساهم في التقليل من المخاطر، كما ان النشرات التي أصبحت تنجزها الوكالة الوطنية للمياه والغابات بخصوص الحرارة وتفادي الحرائق أعطى نتائج إيجابية لتفادي مثل هذه الكوارث الطبيعية على الانسان ومجاله الغابوي.

غير ان ما يلاحظ ان تجربة اليابان في مجالي تتبع الزلازل والفيضانات، لم يأخد منه المغرب ما يكفي من التجارب، فتجربة صفارات الإنذار باوريكا لم يتم تعميمها عن باقي الأودية الأخرى خصوصا بالأقاليم التي تتوفر على سلاسل جبلية منبع تلك الفيضانات المفاجئة والمدمرة .

– مشاريع متأخرة في الإنجاز

لعل متتبع لمسار المشاريع الموضوعة لحماية المدن من الفيضانات سيكتشف بطء شديد في إنجازها ، سنأخذ على سبيل المثال مشروع تمرير قناة مياه الأمطار على وادي ” أوركا” الذي يصب بوادي سوس، والذي سجل على مر سنوات العواصف دمارا كبيرا في ثلاث أقاليم بجهة سوس ماسة ( تارودانت .اشتوكة ايت باها. انزكان ) بعد ان كبد تلك الأقاليم خسائر مادية كبيرة، ورغم تخصيص دعم مالي لانجازها من طرف الإدارة المركزية لوكالات الأحواض المائية، وانجاز الدراسات اللازمة ، ورسو صفقة إنجازها على احدى الشركات المغربية المختصة ، غير ان المشروع تأخر انجازه عن موعده ل 10 اشهر، رغم ان الشركة قد وضعت تجهيزاتها لمباشرة عملية الإنجاز على مجرى الوادي ، لكن دون ان تبدأ بالاشتغال، فحاولت جريدة ” هبة بريس” البحث عن الأسباب وراء هذا التأخر، ليتضح ان قسط منه مرتبط باجراءات نزع الملكية من ملاك تتواجد أراضيهم قرب المجرى ، بعضها لازال في رفوف محكمة تارودانت لم يحسم بعد، كما ان تخاذل السلطات الولائية وعدم تتبعها لهذا المشروع المهم ، جعله يبقى متوقفا لأجل غير مسمى .

– البناء قرب الأودية وخطره ” نموذج مأساة ملعب تارودانت ”

من المعلوم ان قانون التعمير المغربي او حتى بمختلف دول العالم ، يمنع بشكل كلي عملية انجاز بنايات قرب الأودية لخطورة الفيضانات، ولعل النموذج الحي على هذا الوضع ، هو مآساة ” ملعب تارودانت ” الذي شهد مقتل عدد من الضحايا بعدما باغتتهم السيول سنة 2019، حينما كان شباب بمنطقة تالوين ضواحي تارودانت، يجرون دوري لكرة القدم ، قبل ان تجرف السيول الحجر والبشر، وبعد الفاجعة بدأ الجميع في تبادل الاتهامات عن المسؤول المباشر في هذه الفاجعة ، هناك من وجه الاتهام للجهة المنظمة للدوري، وهناك من وضع المسؤولية في عنق وزارة التجهيز ، وتلاها وكالة الحوض المائي وغيرهم من الجهات الحكومية، لكن مرت الفاجعة ولم يؤخد بالعبر السابقة ، وضع يستدعي الحزم في اتخاذ القرارات وتنظيم ومراقبة مجاري الأودية ، لأن العمران وكذلك الأنشطة الفلاحية خصوصا ” البيوت المغطاة ” لازالت منتشرة بهذه المجالات ولعل الرجوع إلى صور ” الساتيليت” سيكشف المستور .

قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى